العمل في محاجر الرمال المهددة بالإنهيار: الجوع يدفع شباب كينيا نحو الوظائف القاتلة

محجر رمل روندا، مقاطعة ناكورو، كينيا. يعمل العديد من الشباب الكيني في هذا القطاع على الرغم من المخاطر القاتلة لانهيار الجدران الرملية.-Credit: Robert Kibet/IPS
محجر رمل روندا، مقاطعة ناكورو، كينيا. يعمل العديد من الشباب الكيني في هذا القطاع على الرغم من المخاطر القاتلة لانهيار الجدران الرملية.-Credit: Robert Kibet/IPS

"ألان كارانجا" يبلغ من العمر مجرد 22 سنة، ويعمل فيما يسمي "حصاد الرمال”. وظيفته شاقة وشديدة التعقيد وتنطوي علي العمل في حفر عميقة، مجهزة فقط بمجرفة غير واقية، لجمع الرمال. وظيفة تحصد حياة البعض من زملائه عندما تنهار عليهم جدران الرمال الشاهقة الإرتفاع.

"كارانجا" يعمل في منطقة روندا -الواقعة جنوب من مدينة ناكورو بجوار المحمية الطبيعية الوطنية "بحيرة ناكورو" في منطقة وادي الصدع العظيم في كينيا- وهي منطقة تتميز بالمستوطنات المترامية الاطراف والمتداعية.

هنا مئات من الشباب يلجأون إلي العمل في استخراج الرمال، حيث يعتبر نهر "نوكور" -الذي يصب في بحيرة ناكورو- هو الموقع الرئيسي لأنشطة "حصاد الرمال”.

يحكي "كارانجا" لوكالة إنتر بريس سيرفس أنه شاهد العديد من العمال يموتون من حوله عندما تنهار جدران الرمال الشاهقة العلو في وسط الحفر التي يعملون فيها.

ويقول: "الجوع هو ما يدفعنا إلى العمل في "مناجم" الرمال هذه. دخلنا ضئيل للغاية هنا على الرغم من المخاطر التي نواجهها كل لحظة… نحفر الرمال بدون خوذات الأمان”.

وللرواية خليفة. ففي عام 2010، صنف برنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية بلدة ناكورو -على بعد 160 كيلومترا شمال غرب العاصمة نيروبي- علي أنها البلدة الأسرع نموا في شرق ووسط أفريقيا.

فما كان لهذا "اللقب" إلي أن دفع المستثمرين إلى المنطقة، وبالتالي، إلي ازدهار صناعة البناء والتشييد، التي تعتبر ضمن كبري مستهلكي الرمال. فمنطقة روندا هي المصدر الرئيسي للرمال في كل وادي الصدع نظرا لتوافره على طول ضفة النهر. وتعود عمليات إستخراج الرمال هنا إلي الثمانينات.

وهنا يتحدث "كيمبوي جاكسون"، صاحب محجر رمال مساحتة هكتارين حيث توفي اثنان من "حاصدي" الرمال عندما انهار الجدار الرملي الشاهق الإرتفاع في الشهر الماضي. في ذلك الحادث المؤلم، توفي الأب وابنه عندما انهار جدار قتلهم على الفور، وهو ما دفع كيمبوي لإغلاق المحجر مؤقتا.

يقول "كيمبوي جاكسون" لوكالة إنتر بريس سيرفس أن استخراج الرمال في منطقة روندا يوفر فرص عمل لما يقرب من 3،000 شخصا.

ويشرح أن "هذا المحجر موجود منذ أوائل الثمانينات… ليس لدينا القدرة على توظيف عمال لحفر الرمال على أساس راتب شهري، لأنني كمالك للمحجر لابد أن أتقاسم الدخل مع الجميع لإسترداد المبلغ الذي أنفقته علي شاحنة حمولتها سبعة أطنان. هؤلاء الشباب يعملون بأجر يومي في شفط وتحميل الرمل ويتقاضون أجورهم في نهاية اليوم".

ويقول بالتفصيل انه يتقاضى 5،000 شلن كيني (58 دولار) مقابل كل شحنة من سبعة أطنان من الرمال، ويتقاسم 20 في المئة من هذا المبلغ بين عمال محاجر الرمال و"الشيالين" وسائقي الشاحنة.

أما "جاك اوماري"، وهو أب لطفلين، فيقول لوكالة إنتر بريس سيرفس أنه يعمل في محاجر الرمال في كيمبوي منذ 1992.

في هذه الفترة نجا من الموت ثلاث مرات، أسوأها عندما انهارت الجدران الرملية الهشة ودفعته هو وسائق الشاحنة إلي نهر "نداروجو" فكتبت لهما النجاة.

خلال نفس الشهر توفي ثلاثة آخرون عندما انهار جدار في محجر كيرياغا بمقاطعة ميرو، كينيا الشرقية.

ويقول "اوماري" أنه في يوم عادي انه يكسب نحو 300 شلن كيني (ثلاثة دولارات)… إنه مبلغ ضئيل، يكفي فقط لتوفير وجبة له وزوجته وأولاده.

لكن الرمال في كينيا أصبحت عنصرا ضروريا في تأجيج الطفرة العمرانية التي تقود سرعة وتيرة التحضر وأنماط النمو الاقتصادي السريع في البلاد.

فيتوقع التقرير الاقتصادي لكينيا لعام 2013 الصادر عن معهد كينيا للبحوث والتحاليل السياسة العامة، أن الاقتصاد سينمو بنسبة 5.5 في المئة في عام 2013 و 6.3 في المئة في عام 2014، مقارنة مع 4.6 في المئة في عام 2012.

عن هذا، تقول "آن وايغورو" -من وزارة التخطيط- لوكالة إنتر بريس سيرفس أن عدد سكان المناطق الحضرية في كينيا ينمو بمعدل أربعة في المئة سنويا.

وتشرح أن ذلك يمكن أن يعزى إلى أعمال العنف التي وقعت بعد الانتخابات في كينيا عام 2008 وكذلك إلي هجرة الشباب من المناطق الريفية إلى المناطق الحضرية بحثا عن فرص عمل.

لكن العديد من الشباب الفقراء في كينيا يتوجهون إلي العمل في استخراج الرمال كوسيلة سريعة لكسب المال، على الرغم من المخاطر القاتلة التي يشكلها انهيار جدران المحاجر بسبب أساليب العمل الفقيرة.

"كارانجا" هو مجرد واحد من بين العديد من الشباب الذين يواجهون الاستغلال في هذا القطاع. فتفيد "ماري موثوني" -مسؤولة رعاية الأطفال الحكومية- أن ما يقارب 3،000 من الشباب -معظمهم قاصرين- ينخرطون في بعض من أسوأ أشكال العمل، بما في ذلك استخراج الرمال.

ومن جانبه، يقول مسؤول في جمعية رعاية الطفل في كينيا، وهي وكالة حكومية، لوكالة إنتر بريس سيرفس، أن الشباب العاملين في مجال التعدين يتعرضون للمواد السامة، مما يزيد من فرص إصابتهم بأمراض الجهاز التنفسي.

"في سن 14 عاما، إضطررت لعدم المواظبة علي الدراسة في المدرسة الابتدائية للذهاب للعمل في تحميل الرمال في الشاحنات لكسب بعض المال لشراء المواد المدرسية الأساسية". لكنه إضطر في النهاية إلي ترك المدرسة قبل مرحلة الدراسة الثانوية.

هذا وفي عام 2013، أمرت هيئة الإدارة البيئية الوطنية بإغلاق جميع محاجر الرمال في منطقة ناكورو، وذلك جراء كما تبين أن التعدين يساهم في مساهمة هذا النشاط في تدهور البيئة.

"الحظر لا يزال قائما، حسب ويلفريد أوسومو، مدير هذه الإدارة الوطنية، وليس لدينا مشكلة في تنفيذ القانون. ولكن… نحن ننظر لحياة الآلاف من الشباب الذين سيبقون عاطلين عن العمل"!.