إفتتاحية إميل نخله، مسؤول جهاز المخابرات الأمريكية السابق: كيف مواجهة خطر الدولة الاسلامية

thumb image
الرئيس باراك أوباما يجتمع مع مستشاريه للأمن القومي في غرفة العمليات في البيت الأبيض، 7 أغسطس 2014.-Credit: Official White House Photo by Pete Souza

يمثل التوسع الإقليمي والإعدامات الهمجية علي أيدي الدولة الإسلامية في العراق وسوريا تهديدا يجب مواجهته. ومع ذلك، فيعتبر القصف الجوي الأمريكي خطأ، لن يضعف “داعش” بالضرورة.

عندما كان عضوا في مجلس الشيوخ، وصف الرئيس باراك أوباما تدخل الرئيس جورج بوش في العراق بأنه “حرب غبية” ووعد بوضع حد لها إذا فاز بالرئاسة. ومن ثم، سيكون من المؤسف أن يشن أوباما، بإسم محاربة الدولة الإسلامية، “حربا أكثر غباء”.

تكرر إدارة أوباما القول بأن الهدف من تدخلها الإنساني وهجماتها الجوية هو حماية الموظفين الأمريكيين، ومنع المعاناة الإنسانية وخطر “الإبادة الجماعية”.

وفقا لبعض تقارير وسائل الإعلام، أمرت الولايات المتحدة بإجلاء بعض موظفيها في أربيل. ومع ذلك، لا تعتبر مقنعة حجة الإدارة الأمريكية بأن الهجمات الجوية التي تشنها ضد مواقع الدولة الإسلامية قرب اربيل تأتي بناء علي طلب حكومة المالكي ،أنها مبررة بالتالي.

يمكن أن يعزي الكثير من خطاب الدولة الإسلامية المعادي للشيعة وايران الى المذهب الحنبلي المحافظ والمتعصب الذي يدعم السلفية الوهابية في المملكة العربية السعودية. فإيديولوجية الدولة الاسلامية تبرر استخدام العنف في الحرب ضد الإسلام الشيعي وايران والحكومة المالكي الشيعية في العراق ونظام الأسد العلوي في سوريا.

وفي حين يعلن نظام آل سعود كرهه علنا للدولة الإسلامية وينظر اليها، عن وجه حق، على انها منظمة ارهابية، لا ينبذ القادة السعوديين بالضرورة رسالتها ضد إيران والشيعة. وتسود حالة مماثلة بين نظام آل خليفة السني في البحرين.

في العراق، ساهم الفراغ السياسي الذي هندس له المالكي عن غير قصد، في صعود ونجاح الدولة الإسلامية مؤخرا. وقدم كثير من السنة ذوي الماضي المتميز في عهد صدام حسين، الدعم لهذه الجماعة (داعش) بسبب معارضتها لسياسة المالكي السلطوية الشيعية، وهو الذي يرفض تشكيل حكومة أكثر تعددية وشمولا.

كذلك فقد إنتقد كثير من الشيعة، بمن فيهم آية الله علي السيستاني، تشبث المالكي بالسلطة. ودعا السيستاني الشعب العراقي إلى أن “يختار بحكمة”، وحث المالكي على ترك منصبه، وألقى باللوم على رئيس الوزراء لتدهور الأوضاع في البلاد، وضمنا، علي النجاحات الإقليمية للدولة الإسلامية.

وفي سوريا، أعطت الحرب الأهلية الدامية المستمرة الدولة الإسلامية فرصة ذهبية لمحاربة النظام غير السني، وخاصة ذلك الذي يتماشى بشكل وثيق مع “صفوي” إيران وحزب الله.

لقد ساعد مزيج من النهب المالي والنقدي أثناء الحرب، ومساهمات سنة آخرين (وخاصة في الخليج)، والتسليح الأولي من بعض دول الخليج، ساعد الدولة الإسلامية علي مكافحة النظام السوري وحكومة المالكي بصورة فعالة، ومؤخرا أيضا الأكراد البشمركة في شمال العراق.

هذا وينظر العديد من هؤلاء المسلمين السنة إلي الدعوة إلى الخلافة الجديدة كعودة إلى العصور الوسطى. وبالتأكيد فهي لا تعالج العجز الاقتصادي والاجتماعي والسياسي المستوطن الذي يهدد مستقبل المنطقة.

وفقا لتقارير وسائل الاعلام، رفض الكثير من السنة في الاسبوع الماضي إعلان الولاء لزعيم الدولة الإسلامية أبو بكر البغدادي في مسجد في الموصل على الرغم من دعوته للإعلان عن ولائهم.

كذلك فينظر السنة أيضا إلي الإعدامات العامة للجنود وغيرهم من خصوم الدولة الإسلامية، كأعمال بربرية ومثيرة للاشمئزاز.

يضاف إلي ذلك المعاملة القاسية للنساء والأقليات غير المسلمة في الدولة الإسلامية والتي تعتبر مروعة. كما أدان المجتمع الدولي تطبيق عقوبات الشريعة القاسية ووقوع الحدود في المناطق السورية والعراقية تحت سيطرة الدولة الإسلامية.

ومن جانبها، تري الدول الغربية الدولة الإسلامية باعتبارها تشكل ثلاثة تهديدات رئيسية: احتمال انهيار الدولة العراقية؛ العنف الطائفي الدموي المتزايد عبر حدود الدولة؛ واستمرار تجنيد وتدريب الجهاديين المحتملين القادمين من الغرب.

من هذه التهديدات الثلاثة، ينبغي أن يكون تجنيد الجهاديين الغربيين مصدر قلق رئيسي للخدمات الأمنية الغربية. فبعد عودة هؤلاء الجهاديين الشباب إلى بلدانهم الأصلية، سيجلبون معهم خبرة قتالية عالية وأيديولوجية راديكالية ترفض التعددية الديمقراطية الغربية.

لقد استغلت الجماعات الجهادية الطائفية العنيفة لنشر رسالتهم. وشجعت الأنظمة في المملكة العربية السعودية والبحرين والعراق وسوريا وغيرها الطائفية من أجل تقسيم شعوبها والبقاء في السلطة.

هذا ويشير رفض الدولة الاسلامية الحدود القائمة بين العراق وسوريا إلى أن الحدود المصطنعة التي وضعتها القوى الاستعمارية بموجب اتفاقية “سايكس بيكو” عام 1916 لم تعد قابلة للبقاء.

فقد تم تنفيذ ترسيم حدود الدولة الاستعمارية في بلاد الشام (وخصوصا العراق وسوريا والأردن ولبنان، وفلسطين)، وشمال أفريقيا، والخليج الفارسي من دون مشاورات حقيقية مع سكان تلك المناطق.

وبعد الحرب العالمية الأولى، عمدت القوى الاستعمارية إما إلي حكم بعض هذه الأقاليم مباشرة أو بالوكالة من خلال ملوك مستبدين مطيعين.

في مقابلة مع صحيفة نيويورك تايمز يوم السبت الماضي، أقر أوباما بهذا الواقع، وأضاف، “ما نراه في الشرق الأوسط وأجزاء من شمال أفريقيا هو أمر يعود إلى الحرب العالمية الأولى وبدأ ينهار”. لقد بدأ “إنهيار” حدود الدولة في العراق وسوريا تحت القشرة الدينية لخلافة الدولة الإسلامية، لكنه لن يتوقف عند هذا الحد.

العديد من السنة الذين يدعمون الدولة الإسلامية لا يتفقون مع أيديولوجيتها الإرهابية، وحماسها الديني، ولاهوتها التعصب، أو رؤية الخلافة. فإن معارضتهم لسياسات النظام خاصة في العراق وسوريا وغيرهما هي التي تقود دعمهم للدولة الإسلامية. لذلك يجب ان تأتي مكافحة هذا التهديد من داخل المنطقة، وليس من خلال الغارات الجوية أو الطائرات بدون طيار، حسبما اعترف أوباما أيضا في مقابلة صحيفة نيويورك تايمز.

وإذا كان من شأن تهديد الدولة الإسلامية الإضرار بالمصالح الغربية والعاملين في المنطقة ينبغي للبلدان الغربية أن تتخذ عدة خطوات شاملة لاحباط هذا التهديد.

أولا، يتعين على أجهزة إنفاذ القانون الغربية إيلاء اهتمام أقرب لمواطنيها الذين يظهرون رغبتهم في الانضمام إلى الجهاديين في سوريا والعراق وأماكن أخرى في المنطقة. وينبغي عليها إشراك مجتمعاتهم الإسلامية في الداخل للتصدي لهذه الظاهرة.

ومع ذلك، لا ينبغي أن تستهدف هذه الأجهزة هذه المجتمعات خلسة أو التجسس عليهم. كما يتعين على الزعماء المجتمعين الأخذ بزمام المبادرة في التواصل مع الشباب وثنيهم عن التطوع للجهاد بغض النظر عن السبب.

ثانيا، يجب على الولايات المتحدة والدول الغربية الأخرى الضغط علي المالكي لضرورة تشكيل حكومة أكثر شمولا، تشمل العرب السنة والأكراد والأقليات الأخرى. المالكي يجب أن يصغي لدعوة السيستاني والتنحي.

فبعد أن يتوفر للمجتمع السني وسيلة مشروعة ومشرفة وعادلة لتحقيق طموحاتهن الاقتصادية والسياسية، سوف يتخلون عن الدولة الإسلامية والجماعات الجهادية المماثلة.

ولو كان رد فعل واشنطن أكثر فعالية في مواجهة النجاحات الأخيرة للدولة الإسلامية، وحثت المالكي علي تشكيل حكومة شاملة، لما كانت هناك حاجة للهجمات الجوية الحالية.

ثالثا، بعد رحيل المالكي، على الغرب توفير التدريب العسكري المستمر بالأسلحة التي تناسب وحدات من الجيش العراقي والقبائل السنية في محافظة الأنبار، والبيشمركة الكردية، والمعارضة السورية. إضعاف الدولة الإسلامية يتطلب نهاية حكم نوري المالكي وزوال حكم بشار الأسد.

رابعا، التطرف والإرهاب انتشرا أيضا نحو الجنوب، في الأردن وفلسطين وغزة، ولا بد من تمديد وقف إطلاق النار بين إسرائيل وغزة، ورفع الحصار عن غزة.

الحرب في غزة ليست بشأن حماس علي الرغم من الاحتجاجات إسرائيلية. الفلسطينيون في غزة لا يمكن أن يعيشوا بحرية في الكرامة، وسلام، وازدهار اقتصادي في حين يقبعون في سجن في الهواء الطلق بدون نهاية في الأفق.

خامسا، أصبح من الضروري أن يوقف نظام السيسي في مصر الاعتقالات السياسية والمحاكمات بإجراءات موجزة وإعدام قادة الإخوان المسلمين وأنصارهم. ينبغي أن يتوفر للإخوان المسلمين الفضاء السياسي اللازم للمشاركة في الحياة السياسية في البلاد. وحظر النظام مؤخرا حزب الحرية والعدالة هو خطوة في الاتجاه الخاطئ، وينبغي عكسها.

*إميل نخلة، المسؤول الكبير السابق في جهاز المخابرات السابق، والأستاذ الباحث في جامعة ولاية “نيو مكسيكو”، ومؤلف كتاب “A Necessary Engagement: Reinventing America’s Relations with the Muslim World”. الآراء الواردة في هذه الإفتتاحية تعبر عن وجهات نظر كاتبها.